روضة الصائم

علم النور والاحتياج الذاتي للممكنات

01 يونيو 2017
01 يونيو 2017

هلال بن علي اللواتي -

لقد علمنا أن العلوم تتجه إلى تحديد موضوعها الذي هي تدور حوله، وتقوم بتبيين المنهج المتبع لتحقيقه، وقد تعارف الأعلام في بيان موضوع العلم لديهم بتعريفه من خلال اللازم، وتختلف جهات التعاريف لدى العلوم، فهناك من يذهب إلى التعريف من خلال العوارض التي تعرض على الموضوع، وهناك من يرى أن موضوع العلم إنما هو الأمر الجامع المنتزع من جزئيات موضوعات مسائله .. وهكذا، فمثلا يبحث في علم الدراية عن السند والمتن، وهذا هو موضوع هذا العلم، وعندما ننظر إلى السند والمتن فسنجد أن المبحوث فيه هو عوارضهما وأوصافهما، وموضوع علم الكلام هو الذات الإلهية والمبحوث فيه عن صفاته الثبوتية والسلبية وعن أفعاله، وقد قيل إن المطلوب في العلم هو إثبات الأعراض الذاتية لموضوعه، وموضوع علم التفسير هو القرآن الكريم، وموضوع علم النحو الكلمة وأحوالها، وموضوع علم الهندسة المقدار، وهذا الموضوع هو في الحقيقة بحث في جنس للجسم التعليمي الذي هو موضوع علم المجسمات، وإلى هنا نكتفي بهذا المقدار.

وقد اخترنا لموضوع علم النور «الاحتياج الذاتي للممكنات»، ومن هذه الممكنات الإنسان، ولقد كان يمكن جعل موضوع علم النور «الإنسان»، إلا أن هذا الموضوع عام ومتشعب، ووجدنا أن الأجدر تحديده بدقة أكبر، فكان هذا العنوان «الاحتياج الذاتي» عنوانا شاملا مستوعبا لكل المسائل المتعلقة بالإنسان، حيث تقدم نفسها كمشروع لتحقيق متطلباته ورغباته.

ولما أصبح موضوع علم النور «الاحتياج الذاتي» أصبح الأمر سهلا في تحديد نفعية العلوم التي تقدم نفسها بذلك المشروع، ومستوى مصداقيتها، وهل يمكن الوثوق بها، بمعنى هل هذه العلوم تحقق «الاحتياج الذاتي» للإنسان ولسائر الكائنات في حال تعاملها معها أم أنها بعيدة كل البعد عنه وعنها.

ومن الثمار التي تترتب على تحديد هذا العنوان «الاحتياج الذاتي» موضوع لعلم النور هو البحث عما يشبع هذا الاحتياج الذاتي، ويحقق متطلباته، فإذا وجدنا علما أو فكرا أو سلوكا لا يتمكن من تحقيق هذا الاحتياج الذاتي للإنسان أو للمخلوقات الأخرى علمنا بعدم نفعيتها ولا مصداقيتها، ولا ينبغي وضع الثقة فيها، وعندها ينبغي البحث عن ذلك العلم الذي يحقق هذا الاحتياج الذاتي للإنسان ولسائر الممكنات، فإن اختيار موضوع «علم النور» بلحاظ «الاحتياج الذاتي» كان الأنسب والأدق والأفضل، لما له من دلالات تقودنا إلى جوهر المطلب، وتنطلق بنا إلى عالم من نسخ ذلك «الاحتياج الذاتي» ليقدم للإنسان «الغذاء» الفكري المناسب، و«الشراب» الثقافي المنسجم مع طبيعته التكوينية.